الجمعة، 17 ديسمبر 2010

الحب ؛ عندنا وعندهم !! ـ

إن من سنن الله فى خلقه الاختلاف ، الاختلاف الذى أثرى الحضارة الإنسانية على مر العصور ، وجعل الأمم على تباينها وتباعدها تتبادل المعارف والمنافع فيما بينها من أجل خيرهم جميعا । ولقد روى التاريخ لنا عن أزمان تناطحت فيها وتلاقحت أمم وشعوب فيما بينها مما خلق شيئا من التوازن كفل البقاء للجميع . وإن مما ابتلى به هذا الزمان أن غاب هذا التوازن إذ فرضت الأمم الغربية سطوتها على العالم بأسره ولونته بلونها .

وفى عالم يتشبه فيه الضعيف بالقوى ويتحكم القوى بكل شىء تسود ثقافته دون غيره وتصبح مطلقة وغير قابلة للنقاش . إن المفاهيم التى أتت بها الحضارة الغربية بماديتها شوهت معالم الثقافة العربية والإسلامية فى بلادنا وأوجدت نوعا من الإزدواجية التى أضرت كثيرا بالموروث الثقافى والقيمى لهذه الشعوب . إن الحضارة الغربية التى أعلت من قيمة المادة وقامت على أساس وهدف واحد وهو متعة الفرد تتناقض كل التناقض مع ثقافتنا التى تعلى من قيمة العاطفة والسمو الروحى والمجتمع.

إن قيمة سامية كالحب تسطيع أكثر من غيرها أن تكشف لنا عن حجم هذا النتاقض الكبير بين الحضارتين الغربية والإسلامية ؛ فلو نظرنا إلى المفهوم الغربى عن الحب نجده يكاد يقتصر على علاقة شعورية بين رجل وامرأة ( بالنسبة للأسوياء منهم ) أجنبيين أساسها الإعجاب بالهيئة والشكل العام وقمتها العلاقة الجنسية بينهما دون رابط بزواج أو غيره . ولقد اجتهد الغربيون فى نشر هذا المفهوم عن الحب الذى أصبح يساوى بل يطابق بينه ( أى الحب ) وبين الجنس فصارت المعادلة ببساطة # حب = جنس ، وإن من أكثر ما روج لهذا المفهوم الفن بأشكاله وفروعه ومن أهمها فن السينما ، ففى الوقت الذى يشهد فيه المشرق تخلفا فى كل شىء ويستورد من الغرب – تقريبا – كل شىء صارت السينما وغيرها من الفنون تأتينا مع ما يستورد لنتلقاها كما هى ودون أية مراعاة لاختلاف بيننا وبينهم .

صار يروج للمفاهيم الغريبة فى بلادنا بكل وضوح حيث ارتبطت بالحداثة والتقدم وصار كل ما هو غربى مرغوب ومبهر ومستحسن لا لذاته بل لارتباطه بالغرب ، وعليه فإن هذا المفهوم الغربى عن الحب أصبح أكثر انتشارا لدينا ووجد من المقدسين للغرب والمبهورين به بيئة صالحة للنمو والتوغل بين سائر طبقات المجتمع ، فصار عاديا أن يناقش الحب بهذا المفهوم فى الأعمال الفنية وأن يقدم الحبيب على غيره زوجا كان أو أبا . كم من عمل فنى قدم لنا قصصا عن حب رجل وامرأة أجنبيين أحدهما أو كلاهما متزوج ، ولا غضاضة فى ذلك طالما أن رباط الحب هو ما يجمع بينهما ، بل الغضاضة – لديهم - فى أن تتزوج شخصا لم تعش معه قصة حب قبل أن يجمعكما أى رابط شرعى .

أصبحت مفاهيم كالحلال والحرام والجائز شرعا أوعرفا غير موجودة وغير مطروحة أمام كلمة الحب فكل شىء بالحب وفى الحب و للحب مجاز وأصبح كل من يقول بخطأ هذا المفهوم الغربى عن الحب وعدم جوازه متخلفا رجعيا جامدا غير ذى عاطفة أو إحساس .

والحب لدينا عاطفة نبيلة سامية تنبع من الإنسان تجاه كل شىء وأى شىء فى الكون وأسمى شكل من أشكال الحب هو حب الإنسان لخالقه خالق الكون . إن هذا المفهوم يعنى أن توجه عاطفتك لغيرك – أيا كان – منزهة عن أى منفعة أيا كان شكلها . فالحب حب الرب وحب الوالدين وحب الأخوة وحب الزوجة وحب الولد وحب الآخرين من تعرف ومن لا تعرف حب يجمع بين حرفيه مودة وعاطفة للانسانية جمعاء . إن هذا المفهوم لا يعنى بحال أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست حبا أومحرمة فى الإسلام ، بل على العكس إن الإسلام أعلى من هذه الرابطة وجعلها من أسمى العلاقات . إن علاقة الرجل بالمرأة والتى تشمل العلاقة الجنسية ليست مباحة على إطلاقها ولكنها أيضا مطلوبة ، بل مستحبة فى إطار ضوابط شرعية حددها لنا الدين الحنيف وأكدتها الأعراف والتقاليد وهى ضوابط الزواج .وبهذا المفهوم تصبح معادلة الحب = الجنس معادلة خاطئة تماما تبخس هذه القيمة حقها وتعلى من قيمة الجسد وشهوانيته على حساب قيمة الروح .

إن الحب الخالى من المسئولية ليس حبا والارتباط الذى ينادى به البعض بشرط أن يكون مترتبا على قصة حب لهو ارتباط خاطىء ، وهم فى ذلك كمن يضع العربة أمام الحصان ، فالصحيح من التجربة أن الحب يولد بعد الارتباط لفترة تكفل للطرفين دراسة أحدهما الآخر ومعرفة طبائعه ولذا شرعت الخطبة قبل الزواج .

السبت، 11 ديسمبر 2010

كيف نجحوا وفشلنا ؟!ـ

مرة أخرى ينجح القطريون حيث فشل النظام فى مصر ، ولذا لم يعد مقبولا الآن أكثر من أى وقت مضى أن نورد نفس الحديث الذى رددناه مرارا حول النجاحات القطرية المتتالية على كافة الصعد والأسباب الخفية وراءها ، فالفوز الذى انتزعته قطر من المارد الأمريكى ورد الفعل الأمريكى الغاضب على إثره أثبتا أن المسألة ليست مجرد بلد " صغير " فى الخليج العربى يحاول أن يظهر نفسه أمام العالم مطالبا بقليل من الإنتباه معتمدا فى كل هذا على رضا ودعم الحليف الأمريكى ؛ ولعل مقارنة سريعة بين الملف المصرى 2010 وبين الملف القطرى 2022 تبرز بعض أسباب النجاح القطرى ।

إن الصفر الكبير الذى مني به الملف المصرى كان أمام منافسين أقل كفاءة من أولئك المنافسين الذين تفوق عليهم الملف القطرى سواء على المستوى السياسى أو الرياضى أو الاقتصادى ، وهو ما يعنى أن الفشل هنا والنجاح هناك مرده إلى ذات الملفين وطريقة تسويقهما ؛ استطاعت قطر تسويق ملفها على أيدى سفراء حقيقيين مثل رونالد ديبور ، جوارديولا ، زين الدين زيدان وجابرييل باتيستوتا ، وهو ما لم نفعله نحن ، وهنا يبرز أيضا نجاح مسئولى الملف وسفرائه وكلهم من الشباب – على عكس الملف المصرى تماما - فى إدارة هذا المشروع الضخم مستفيدين من حماسة الشباب وطاقتهم ؛ نجح محمد بن حمد رئيس الملف ابن الأمير الذى استطاع أن يحشد لملفه كل الدعم القطرى والعربى وصاغ ملفا قويا تغلب فيه على كل ما طرح من سلبيات قد تبعد قطر عن الحلم ليضمن الدعم الدولى أيضا كما هو الدعم القطرى والعربى .

إن تضافر جميع الجهود والإيمان بالقدرة على الإنجاز والرغبة فى الإنجاز مكنت القطريين من التقد طوال أربع جولات متتالية على جميع منافسيهم وآخرهم المنافس ؛ ونظرة سريعة للمنافسين تكفى لمعرفة حجم الإنجاز الذى تحقق ........

أستراليا تأتى وفى جعبتهأ أولمبياد سيدنى البطولة الأوليمبية التى شكلت نقطة فاصلة وثورة فى تنظيم البطولات العالمية لما قدمته من إبهار لم يتوقع حينها أن يشهد له مثيلا فيما بعد .
كوريا واليابان تأتيان وفى رصيدهما تنظيم كأس عالم سابق عام 2002 ؛ صحيح أنه لم يكن على المستوى الأعلى رياضيا إلا أنه كان من الأفضل تنظيما و تقنية .
أما الولايات المتحدة الأمريكى وهى المنافس الأقوى الذى صمد لأربع جولات متتالية فيأتى وفى جعبته بطولتين أولمبيتين ( لوس أنجلوس و أتلانتا ) بالإضافة إلى كأس عالم عام 1994وكلها كانت بطولات ناجحة .

نجحت قطر التى أثبتت للجميع أنها ورغم تاريخها القصير وحجمها الصغير وشعبها القليل قادرة على تنظيم بطولة عالمية بهذا الحجم بكل كفاءة واقتدار ، لأنها أثبتت أن الأمر يتخطى بكثير مجرد منشآت وأموال تضخ – وهى قادرة على ذلك أيضا – ومكاسب مادية لأن الأمر يتعلق بحق الشعوب وتساويها جميعا دون النظر إلى لون البشرة أو الدين أو اللغة .
نجحت قطر اليافعة بشبابها وبشعبها الذى لم يبلغ المليونين فيما فشلت فيه مصر التاريخ بشعبها الذى جاوز الثمانين مليونا .
نجحت قطر بسياستها وحكومتها وشعبها الذى لم يبلغ الليونين فيما أخفقت فيه أمريكا بسطوتها وقدرتها وشعبها الذى جاوز الثلاثين مليونا .

إن ما حققته قطر يثبت للجميع أن الشعوب ومن قبلها الحكام تستطيع إذا أرادت ، وأن موازين القوى لم توجد لتستمر كما هى إلى الأبد ولكنها وجدت لتتغير بأيدينا. إن قطر بسياستها وسياسييها ، بشعبها وأميرها تثبت أن هناك متسعا دائما لذوى الطموح والإرادة ، فمتى خلصت النيات تحققت الإنجازات .

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

فى البدء كانت ، ولم تزل ـ

فى البدء كانت الكلمة ، ولم تزل ... كانت الكلمة علة الوجود وغايته ؛ ولما كانت هكذا وجب أن يعرف لها حقها وأن تنزل منزلتها التى تستحق ؛ فكم من كلمة أعلت وكم من كلمة حطت وكم من كلمة دمرت أقواما وسيدت أقواما فغيرت أراضين وخطت تواريخا .

ولقد عرفت الأمم والشعوب على تواليها واختلافها ما للكلمة من شأن فأعلت أصحابها ورفعت من شأنهم وأوجبت لهم ما ليس لغيرهم من فضل المشورة و الرأى بل والقيادة أيضا . إن صورة الكاتب المصرى المنقوشة على جدران المعابد المصرية الفرعونية تؤيد ماسبق من إقرار عظم شأنهم وجلال مهمتهم ، وإن أخبار أدباء ومفكرى أثينا التى نقلتها لنا كتب التاريخ كفيلة بمعرفة ما لهم من فضل ويد على دولة اليونان وسائر أوروبا القديمة . ولقد شهد التاريخ المعاصر قادة أدباء أمثال ونستون تشرشل الذى قاد بريطانيا فى فترة من أصعب فترات تاريخها على عمومه فقدم لها بفكره وكلمته ما يحفظه له بنو وطنه حتى اليوم ، ومن قبله ولى سدة الحكومة فى مصر محمود سامى البارودى الذى جمع بين الكلمة والسيف والسياسة فأسس لمراحل جديدة فى تاريخ مصر الحديثة كانت أولاها شعرية ولم يكن آخرهاسياسية وطنية أسس لها ورفاقه .

ولما كانت هذه منزلة الكلمة وصاحبها لم تكن لتوهب إلا لمن يستحقها ، ففنون الصياغة والصنعة ليست من السهولة بمكان بأن يتمكن منها كل فرد ولكنها ملكة يهبها الله من عباده من يشاء ، ولا يتوقف الأمر عند هذا ، فإن هذه الملكة إن لم تكتشف مبكرا وتراع لتنمو تموت وتزوى كأن لم تكن .

والكلم فى لسان العرب كلمتان ؛ إما شعر و إما نثر وعلى قدر ما يفترقان على قدر ما يجتمعان ، وإن كان للشعر من الفضل ماله على النثر لعلة فبه ليست فى النثر ، فهو أخف وأطرب ولذا كان أطير من النثر وأدوم . وإن كان هذا لا يعنى أبدا أن النثر لم يحظ بنصيب من الذيوع والبقاء ، وإن كان من فضل فهو للإسلام ؛ فالقرآن الكريم وهو النص العربى المعجز شكلا ومضمونا أبعد ما يكون عن الشعر وأقرب مايكون من النثر وهو ليس بأحدهما لأنه كلام الله المنزل من فوق سبع سماوات والذى لاتحويه قاعدة ولايعامل كنص أدبى بحال . كما أن الأحاديث النبوية الشريفة بشكلها وأسلوبها أسست لمرحلة جديدة فى تاريخ العربية والعرب ، مرحلة يروى فيها ويتواتر النص النثرى كما هو النص الشعرى .

ولقد عرفت العرب بعد الإسلام – والفضل له – التدوين وفنونه مما ساعد على انتشار فن النثر حيث صار أسهل حفظا وصارت اللغة أحوج إليه من الشعر لما وجد فيه من فنون وخصائص أوجدتها وتطلبتها الطبيعة السياسية والاجتماعية والدينية لدولة العرب ، فأسست الفنون كالخطابة والرسالة والمقال وغيرها . ولقد تغيرت الأزمان والطبائع فتباينت الفنون وتناوبت على الصدارة ، ومما تصدر المشهد الأدبى فى عصرنا الحديث فن المقال حيث لاقى ذيوعا وانتشارا واسعين لما أحدثته الصحافة والصحف من واقع شغل معظمه نثر الكلام " المقال " واكتفى بأقله شعره .

إن الفكرة حين تسيطر على الكاتب فيشرع يحيلها كلما على ورق تشهد أطوارا عدة و مراحل مختلفة تبدأ من عقله وقريحته ولاتنتهى على ورقته بل تنتهى إلى قلب وعقل قارئها ، وعلى قدر ما فى هذا الأمر من مشقة على قدر ما فيه من لذة ، وكلما سمت الملكة و زاد التمرس كلما زادت المتعة ولانت الكلمة ودانت ؛ فإن مستقر الكلمة لدى متلقيها هو ذات مخرجها من لدن ملقيها ؛ وصدق من أوتى جوامع الكلم حين قال " إن من البيان لسحرا ".

الأحد، 5 ديسمبر 2010

انتخابات الشعب و أزمة الوطن

تعيش مصر وشعبها ومنذ ستة عقود أزمة حرية لم تعش مثلها لقرون خلت . فالوضع الذى نتج عن حركة ضباط الجيش المصرى صبيحة الثالث والعشرين من يوليو عام الف وتسعمائة واثنين وخمسين أسس لنظام حكم شمولى يتحكم من خلاله الفرد فى كل شىء باسم الديمقراطية وحفظ أمن وسلامة الوطن । وقد جاءت انتخابات مجلس الشعب 2010 لتعكس صورة واضحة تمام الوضوح لهذه الأزمة وهذا الوضع।

فالمشهد المصرى يوم الثامن والعشرين من نوفمبر ينم عن خطورة بالغة على مستقبل هذه البلاد التى تقترب من حافة الهاوية أكثر فأكثر بسبب ممارسات سلطة قمعية تتحكم فى مصير الشعب والوطن دون أية شراكة تذكر أو أية رقابة أو حسيب । وقد اشترك فى لعبة الانتخابات الأخيرة لاعبون كثر على الرغم من كون المتفرجين أكثر بكثير ؛ واللاعبون هم المرشحون والأحزاب أو القوى السياسية والناخبون والسلطة التنفيذية " الحكومة وحزبها " وقوى الأمن والخارجون على القانون " البلطجية " والقضاء ، ولا يعنى تشارك كل هؤلاء فى لعبة واحدة تقاسمها بينهم ، فقد استفرد "البلطجية " وقوى الأمن ومعهم السلطة التنفيذية "الحكومة وحزبها " باللعبة وأخرجوا منها كل اللاعبين الآخرين بالقوة وبقيت غالبية الشعب متفرجة فى صمت كعادتها .

وعلى الرغم من تطابق جميع العناصر هذه المرة مع نظيرتها فى انتخابات عام 2005 إلا أن تبادلا بسيطا فى الأدوار أدى إلى هذا الاختلاف الواضح فى مخرجات كل منهما حيث سمح تقسيم البلاد الى ثلاث مراحل فى 2005 بجعل قوى الأمن اللاعب الأول ومن وراءه " البلطجية " فى مناطق محدودة وهو مالم تسمح به انتخابات 2010 حيث يصعب توفير قوى أمنية لخنق جميع مدن وقرى مصر التى تشهد انتخابات عامة فى نفس اليوم ومن هنا برزت عبقرية النظام الذى أعطى الفرصة ولأول مرة - بهذا الحجم - للخارجين على القانون " البلطجية " بالتحكم فى سير الأمور ومصير البلاد من ألفها إلى يائها ।

إن مشهد تجول ظباط الأمن على اللجان الانتخابية فى معية – بل حماية – البلطجية والذى تكرر فى أنحاء مصر كافة يعد تأسيسا لمرحلة أكثر سوء ستعيشها البلاد فى السنوات القادمة ، مرحلة يعلو فيها صوت القوة الغاشمة والمفرطة فوق صوت القانون وصوت مئات الألوف من قوى الأمن و ليعلو صوتها فوق كل صوت ।

إن استفراد هاتين القوتين – المتشابهة فى تصرفاتها وعقيدتها - بالمشهد المصرى إنما جاء كنتيجة طبيعية لغياب اللاعب الأبرز و الأجدر فى أى بلد طبيعى ألا وهو الشعب ، الذى أثبت هذه المرة أن سلبيته فاقت كل حد وضاق بها الوصف وهو ما صبا إليه وعمل عليه – وقد نجح - النظام الحاكم منذ خمسينيات القرن البائد । إن تحرك أى جماعة بشرية للحفاظ على مصالحها أمر بديهى ؛ وعليه فإن تحرك الطبقة الطفيلية المستفيدة من وجود هذا النظام الحاكم قد يكون أمرا متفهما على الرغم من خطئه إذ أنها تسعى جاهدة للحفاظ على مصالحها التى اقترنت بوجود هذا الفساد وتنمو بنموه ، إلا أن المستغرب هنا هو ما أبرزته الاحداث الأخيرة من مساندة شرائح واسعة من المتضررين من هذا الحكم وفساده فى ترسيخ حكمه وسياساته ومناصرة أزلامه ، وهو تحرك يفوق السلبية خطرا ، و ينم أيضا عن جهل متأصل و غباء مستحكم يشبه الإنتحار ।

إن أى أمل فى استرداد عافية هذا البلد وحريته قد يبدو مستحيلا إذا لم يقترن بأمل بتحرك هذه القوة النائمة والمستكينة - منذ قرون - من أبناء هذا الوطن ؛ تحركا يعيد كلا إلى حجمه الطبيعى ويرد السلطة إلى من له السلطة دون غيره .

الخميس، 10 يونيو 2010

تركيا .. عودة الروح !.


فى 29 يناير 2009 انسحب رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى من إحدى الجلسات الحوارية المنعقدة على هامش منتدى دافوس الاقتصادى مخلفا وراءه مادة إعلامية "جديدة " تناقلتها - ومازالت - وسائل الإعلام العالمية ؛ يومها وجه إردوغان خطابا شديد اللهجة للرئيس الصهيونى شيمون بيريز على خلفية ما قامت به قوات الاحتلال من مذابح وتدمير خلال حرب شتاء 2009 على غزة .
وفى التفاصيل ؛ لما رفض مدير الجلسة منح إردوغان فرصة الرد على كلمة شيمون بيريز قاطعه إردوغان بصوت مرتفع موجها كلامه ليشمون بيريز قائلا : " أنتم تقتلون الأطفال ." ولينسحب بعدها من القاعة . لم تكن هذه الحادثة خارجة عن سياق السياسة التركية تحت حكم العدالة والتنمية تجاه الكيان الصهيونى لكنها كانت الأقوى والأبرز - آنذاك - ، كما كانت فاتحة لسلسلة من المواقف التى تلتها والتى لم يشهد تاريخ الصراع مع الكيان المحتل مثيلا لها .

وفى الفاتح من يونيو 2010 ألقى إردوغان خطابا شديد اللهجة فى البرلمان التركى انتقد فيه اعتداء البحرية الصهيونية على أسطول الحرية المتجه إلى غزة والذى ارتقى على إثره تسعة شهداء كلهم أتراك ، يومها نفض تلابيب ثيابه قائلا " لقد سئمنا كذب إسرائيل " ؛ ولم تمنعه الدبلوماسية من توضيح الحقائق كما هى ليثبت للعالم أن ما فعله يوم دافوس لم يكن استثناء بل كان حلقة فى سلسلة لا يعلم أحد - حتى الآن – أين نهايتها .

وفى معرض التحليل ، يذهب البعض إلى أن هذه المواقف التركية تجاه القضية الفلسطينية - وسائر قضايا المنطقة - ما هى إلا وسيلة سياسية لتعظيم الدور التركى فى المنطقة ولكسب أرضية جديدة تحقق الدولة التركية عليها مزيدا من المكاسب الخاصة ، كما أن الأمر قد لا يخلو من تحقيق مجد شخصى لإردوغان وزمرته .
وعلى الجانب الآخر ، فثمة من يرى بأن هذا كله إنما يأتى فى سياق سياسة تركيا العدالة والتنمية الرامية الى إعادة تركيا الى موقعها التاريخى والاستراتيجى فى مقدمة الأمة والمنطقة و لخلق أرضية قوية فى المشرق تساعدها فى توجهها غربا تجاه الاتحاد الأوروبى .
وعلى كل ؛ فإن كلا المذهبين قد يبدوان صحيحين وإن بدا أحدهما - فى ظاهره - مناقضا للآخر ؛ فليس ثمة ما يمنع أن يكون أى مكسب تركى مكسبا لدول المنطقة فى آن معا وكذا ينسحب على الأمر على أية خسارة محتملة ، بل ثمة من يذهب الى أنه وعلى القدر الذى ستسفيد منه تركيا من وراء دول المنطقة ستفيد . وهنا تبرز قراءة مختلفة ترى بأن الدور التركى إنما هو دور مكمل غير متطفل أو انتهازى .

وقد يسمح زخم الأحداث التى تشهدها منطقتنا حاليا بتتعدد القراءات واختلاف فى الرؤى ، ولكن يبقى الفيصل فيما سيتحقق منها على أرض الواقع مرهونا بمدى تسارع الأحداث ومقدار تجاوب دول المنطقة مع الدور التركى الذى أثبتت مواقفه المتتالية أنه ينشد خلق تغيير جذري ليس فى شكل المنطقة وحسب بل وفى خريطة العالم ।

السبت، 5 يونيو 2010

حين أسقط فى أيديهم ....!!

تخبط وفشل ... أبلغ ما يصف الحال التى يعيشها الكيان الصهيونى ودبلوماسيته هذه الأيام । فبعد أن هدد المسئولون الصهاينة وتوعدوا كل من قدم من المتضامنين على متن سفن أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على غزة ؛ بعد أن هددوا وتوعدوا عاد جميع المتضامنين الى بلادهم ولم يبق أى منهم قيد الاحتجاز بمن فيهم وفد الداخل الفلسطينى .

ظهر التخبط جليا فى محاولات الكيان الغاصب لملمة شتات أمره وانهاء هذه الأزمة فى أسرع وقت عساه يتدارك بعضا مما وقع فيه من خطأ سواء على المستوى العسكرى حيث فشلت قوات النخبة " الإسرائيلية " فى التعامل مع نشطاء عزل أو على المستوى الدبلوماسى حيث فشلت الخارجية " الإسرائيلية " فى كسب تأييد أية حكومة فى العالم لما قامت به ।

عوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان قد صرح غير مرة وعلى أكثر من شاشة فضائية أن المتضامنين على متن سفن الأسطول وبعد أن يقتادوا إلى ميناء أسدود – إن واصلوا المسير الى غزة ولم يعودوا أدراجهم - سيكونون امام خيارين لا ثالث لهما ؛ الأول : هو التوقيع على إقرار باقتحام المياه الإقليمية الإسرائيلية والتعهد بعدم الرجوع إلى هذا الفعل مرة أخرى , وبعدها سيرحل هؤلاء إلى بلادهم , أما الخيار الآخر والأخير فهو الاحتجاز فى السجون "الإسرائيلية " بانتظار المحاكمة بتهم التعدى على السيادة " الإسرائيلية" ومساعدة المنظمات " الإرهابية "فى غزة لمن يرفض التوقيع على التعهد سالف الذكر ।

ولم يقتصر استخدام هذه اللهجه الحادة والتصريحات القوية على الأيام الأولى لانطلاق الأسطول وحسب, بل استمر طوال الساعات الأولى من احتجاز المتضامنين , وعزز هذه اللهجة ما قامت به الحكومة الصهيونية من اقتياد ستة عشر متضامنا الى سجن بئر السبع والتصريح بأن عددا من المتضامنين لن يفرج عنهم وسيبقون قيد الاحتجاز من أبرزهم الدكتور هانى سليمان رئيس الوفد اللبنانى فى الأسطول .
وعلى إثر هذا تعالت نداءات المنظمات الدولية والدول الأوروبية بانهاء الأزمة والافراج عن الرهائن , ناهيك عن سيل الإدانات الذى لم يتوقعه المسئولون الصهاينة والذى لم يتوقف حتى بعد أن ظهر الموقف الأمريكى ضعيفا و" متفهما " لما قامت به القوات الصهيونية ، كما قامت دول عديدة باتخاذ خطوات أخرى من قبيل استدعاء سفراء الكيان وإبلاغهم الإحتجاج على ما قامت به قوات البحرية الصهيونية ؛ إلا أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد فقد بلغ الاحتجاج مبلغا متقدما حين أعلنت الإكوادور سحب سفيرها فى تل أبيب وكذا فعلت جنوب أفريقيا , وبلغ الإحتجاج ذروته حين أعلنت نيكاراجوا تعليق العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى ।

حقيق أن ردود الفعل هذه قد ساهمت بشكل كبير فى إرباك المسئولين الصهاينة وفى فشل الكيان فى التعامل مع الأزمة التى أوجدها , إلا أن رد الفعل التركى كان له الأثر الأكبر فى هذه الأزمة , حيث جاء الرد قويا ومتدرجا بغير تهور أو استباق للأحداث وهو ما حدا الإدارة الأمريكية إلى التواصل مع الحكومة التركية على كافة المستويات للحد من ردات الفعل المتصاعدة بفعل الضغط الشعبى الهائل والمتوحد والمساند لحكومته بل والمطالب بردود توازى الفعل الذى اقترفته الدولة الصهيونية بحق مواطنين أتراك ونشطاء سلام عزل ।

فى هذه الأثناء تصاعدت لهجة الخطاب التركى وتوالت التصريحات على لسان أردوغان وداوود أوغلو مهددة باتخاذ خطوات قد تغير معطيات الصراع فى المنطقة بما يحفظ حقوق المواطنين الأتراك وغيرهم من المتضامنين الدوليين ناهيك عن مساندة الشعب الفلسطسنى وكسر الحصار المفروض على غزة ؛ بل بلغ الأمر بوزير الخارجية التركى أن أمهل السلطات الصهيونية مدة 24 ساعة للافراج عن المتضامنين جميعا بمن فيهم الأتراك وإلا فإن الحكومة الصهيونية ستتحمل وحدها رد الفعل التركى رافضا بذلك أن يحاكم أي من مواطنيه أو يظل قيد الاحتجاز ، وهو ما استجابت له الحكومة الصهيونية – على غير ما صرحت به بادىء الأمر - حيث أفرجت عن جميع المتضامنين واكتملت عودتهم جميعا الى بلدانهم بحلول مساء الأربعاء 2 يونيو أى بعد ما يقل عن 48 ساعة فقط من احتجازهم ।

ليس من المبالغة فى شىء حين أذهب إلى أن أحدا ما مهما بلغ به التفاؤل لم يكن ليتصور أن تسير الأمور على هذا النحو أو أن يحقق المتضامنون هذه المكاسب ، حيث تكفل حمق الصهاينة ورعونتهم بإعادة رسم خريطة الصراع وإشراك عناصر جديدة فى الجانب الآخر المعادى " لإسرائيل" التى صار اسمها مرتبطا بالاستخدام المفرط للقوة فى مواجهة الأبرياء والعزل المسالمين وبالقرصنة فى المياه الدولية ؛ كما أنه ليس من المبالغة أيضا ما ذهب اليه الرئيس التركى عبدالله غول حين قال " أن الأمور لن تعود إلى سابق عهدها مهما حدث " .

الأربعاء، 28 أبريل 2010

مصر وحزب الله .. دبلوماسية غير معهودة وأحكام غير مسبوقة !

فى الرابع والعشرين من أبريل الحالى وفى زيارة سريعة الى بيروت أدلى أحمد أبوالغيط وزير الخارجية المصرى بتصريحات لاقت استغرابا من الجميع حيث أن الوزير علق -وعلى غير عادته - على مزاعم امريكية و"اسرائيلية "بتهريب صواريخ سكود من الدولة السورية الى حزب الله اللبنانى واصفا إياها بأنها " أكاذيب تدعو إلى الضحك "، منبع الاستغراب هو أن أبو الغيط عرف دائما بتبنيه مواقف معادية الى ابعد مدى لما يسمى محور المقاومة فى المنطقة بكل مكوناته بدءأ من المقاومة فى فلسطين المحتلة مرورا بالمقاومة اللبنانية ووصولا الى ايران ।

يوم أن أدلى أبوالغيط بهذه التصريحات تحدث المراقبون عن تحركات خلف الكواليس تهدف الى تقريب وجهات النظر بين مصر من ناحية وبين حزب الله من ناحية أخرى ، إلا ان هذه التحليلات - أو لنقل التكهنات -اصطدمت بحاجز الأحكام التى صدرت اليوم 28 ابريل على أعضاء ما يسمى " خلية حزب الله " فى مصر ।

صدرت الاحكام التى وصفت بالقاسية والمشددة عن محكمة استثنائية وهى محكمة امن الدولة العليا بالسجن المؤبد لثلاثة متهمين والسجن لمدة 15 عاما لثلاثة أخرين ، أما باقى اعضاء "الخلية " البالغ عددهم 20 متهما فقد صدرت بحقهم احكام بالسجن تتراوح بين 10 سنوات الى ستة أشهر ।
المتهمون الذين اعتقل منهم 22 شخصا فقط فى اواخر عام2008 ابان الحرب الصهيونية على غزة كان قد وجه اليهم تهم تتضمن "التخطيط لاغتيالات والتخطيط لاعتداءات ضد مواقع سياحية مصرية وسفن تعبر قناة السويس لحساب حزب الله "ـ
جدير بالذكر أن حزب الله قد أقر على لسان أمينه العام غير مرة أن هذه المجموعة كانت تقدم الدعم "اللوجيستى " للمقاومة الفلسطينية أثناء حرب 2008 / 2009 على غزة .
وعلى الرغم من ان "الخلية " المكونة من ستة وعشرين عضوا هم خمسة فلسطينيين وسودانى و18 مصريا بالاضاقة الى لبنانيين فقط الا ان هذه القضية ومنذ البداية أحدثت شرخا كبيرا آخذ فى الاتساع بين النظام المصرى وحزب الله كما القت القضية بظلالها على العلاقات المصرية الايرانية والتى أزدادت - على إثرها - فتورا على فتور .
لا يكاد يختلف اثنان على أن القضية سياسية بامتياز هدف النظام المصرى من ورائها المساس بصورة حزب الله التى ازدادت بياضا بعد حرب صيف 2006 والضغط على الجمهورية الاسلامية فى ايران فيما يتعلق بدورها الآخذ فى الاتساع فى المنطقة عن طريق دعمها للحركات المقاومة .
والسؤال يبقى ، هل ينجح النظام المصرى فى تحقيق هدفه ويتراجع المحور المقاوم لصالح نقيضه المعتدل ، أم أن قابل الأيام سيكشف لنا ما قد يعيد الأمور الى مربعها الأول ؟

السبت، 10 أبريل 2010

يوم تكلم الشعب ثانية ...

زهاء المائة قتيل هو كل ما لزم لتحرير ارادة الشعب وخلع الرئيس كرمان بك باكييف من رئاسة الجمهورية القرغيزية । باكييف الذى اعتلى سدة الرئاسة بعد فوزه فى الانتخابات التى أجريت فى عام 2005 والتى نتجت عن ثورة شعبية (عرفت بثورة السوسن ) نجحت فى عزل الرئيس - آنذاك – عسكر أكاييف الذى حكم البلاد منذ عام 1990 م ، الا أن سنوات كرمان بك باكييف فى الحكم لم تكن مستقرة تماما حيث بدأت بوادر الأزمة فى عام 2006 حين تصاعدت أزمة الاصلاحات الدستورية حيث نجح البرلمان فى اقرار دستور جديد للبلاد يوسع من صلاحيات البرلمان والحكومة على حساب صلاحيات الرئيس ، إلا أنه وبعد أن اقرت التعديلات واستقالت الحكومة لم يقم الرئيس بحل البرلمان كما كان متوقعا بل قام بالغاء التعديلات المقرة سلفا ليعيد لرئاسة الجمهورية ماكان قد سلب منها من صلاحيات فى التعديل السابق وليقر بذلك فى يناير 2007 دستورا جديدا يزيد من التوتر القائم على الساحة .
سبب آخر عجل بالحسم وهو الفساد الادارى والمحسوبية فى تولى المناصب الهامة والحساسة فى الدولة ومثال ذلك اسناد قيادة جهاز الأمن الوطنى الى نجل الرئيس البكر ،كما أسند جهاز التنمية والاستثمارات والمبتكرات الى ابنه الآخر .
خرج المحتجون وتوالت المظاهرات ، والنتيجة أن استولى المتظاهرون على المقار الحساسة فى الدولة كالتلفزيون والبرلمان وقصر الرئاسة ثم اعلنت استقالة الحكومة وهرب الرئيس الى مسقط رأسه فى جنوب البلاد لتأتى الخطوة الأخيرة باعلان حكومة انتقالية برئاسة زعيمة المعارضة روزا أوتونباييفا تتولى ادارة شئون البلاد لحين اجراء الانتخابات .
فى هذه الأثناء كانت اجهزة الامن فى بلد آخر يشهد حالة من شبه الحراك الشعبى وهو مصر تتربص بمظاهرات مزمعة تقوم بها حركة 6 أبريل للمطالبة بتعديل الدستور ودعما للبرادعى ، تعامل الأمن بقسوة غير معهودة (تجاه شباب 6 أبريل ) ضد هذه المظاهرة طالت الإعلاميين والصحفيين حيث قام بفض المظاهرة بالقوة واخلاء ميدان التحرير من أى مظاهر احتجاج ناهيك عن منع المتظاهرين من الوصول الى مجلس الشعب حيث كان مقررا أن تلتئم المظاهرة بالإضافة الى اعتقال عدد من المتظاهرين افرج عنهم لاحقا بأمر من النائب العام.
وعلى الرغم من ان حركة 6 أبريل لا تمثل الرأى العام المعارض فى مصرجميعه أو على الأقل غالبيته وليست واحدة من التيارات السياسية العريقة الا أن الرابط الزمنى بين أحداث قرغيزيا وأحداث ميدان التحرير بالقاهرة هو ما دفعنا الى المقاربة بين الأوضاع فى كلا البلدين ؛ فقرغيزيا التى استقلت عن الاتحاد السوفيتى فى 1990 م شهدت منذاستقلالها ثورتين شعبيتين أطاحتا برئيسى البلاد ، كما أن تعامل الامن القرغيزى لم يكن بهذه القسوة التى يتعامل بها الامن المصرى مع أى شكل من أشكال المعارضة للنظام ؛ اما بالنسبة لمصر التى تحولت الى جمهورية فى منتصف القرن الماضى فانها تشهد استقرارا فى الحكم الى حد كبير على الرغم من حالة من الغليان تكتنف البلاد على المستوى الشعبى الا ان هذا الغليان لم ينجح فى تغيير الوقائع بفضل السيطرة الأمنية المحكمة على البلاد وما أفرزتها من قدرة على التعامل مع أى تحرك شعبى قد يبدو فى غير صالح النظام الحاكم .
وتبقى المفارقة وحدها باعثة للأمل عل مصر تشهدعما قريب نسختها الخاصة من الرواية القرغيزية ليخلع رئيسها وولديه كما خلع باكييف وولديه .

الخميس، 25 مارس 2010

ضرب النعال ..

القاهرة ، مصر فى السادس عشر من ربيع الآخر لعام 656 من الهجرة ॥ شجر الدر؛ المرأة التى حكمت مصر ملكة لقرابة الثلاثة أشهر تضرب بالنعال حتى الموت على يد مماليك زوجها المغدور عز الدين أيبك ثم تلقى خارج القصر (البرج الأحمر ) لتدفن بعدها فى مقبرة كانت قد عملتها لنفسها .
القدس الشريف ، فلسطين المحتلة فى ديسمبر لعام 2003 من الميلاد .. وزير خارجية مصر أحمد ماهر يتعرض لسيل من الضربات بالأحذية من المصلين فى الأقصى الشريف وسط صيحات وهتافات تصفه بالخيانة والعمالة بعد لقائه بأرئيل شارون رئيس وزراء العدو ووزير خارجيته سيلفان شالوم ، ليفقد الوزير على اثرها وعيه وينقل للاسعاف فى مستشفى "هداسا " الصهيونى فى القدس المحتلة .
بغداد ، العراق المحتل فى ديسمبر لعام 2008 من الميلاد .. الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جورج بوش يتفادى برشاقة فردتى حذاء الصحفى العراقى منتظر الزيدى الذى قذفه بهما قائلا " هذه قبلة الوداع أيها الكلب " لتكون هذه نهاية ملائمة لفترة حكمه التى شهد العالم خلالها احداثا عصية على النسيان كما هى حادثة الحذاء .
أشبيلية ، أسبانيا فى فبراير 2010 من الميلاد .. رئيس الوزراء التركى رجب طيب اردوغان فيما يهم بالصعود الى سيارته بعد خروجه من مبنى بلدية أشبيلية يتعرض لرمية حذاء غير موفقة لم يكد يلاحظها الا بعد ان تكاثر الحراس ورجال الأمن على صاحب الحذاء، والذى ذكر انه شاب سورى كردى يبسجل غضبه من سياسة اردوغان نحو الاكراد
هذه الحوادث وغيرها التى سجلها لنا التاريخ والتى على الرغم من تفاوت نتائجها واختلاف اسبابها ودوافعها يبقى العامل المشترك بينها هو الحذاء ؛ الحذاء الذى اريد له ان يكون وسيلة لافتة للتعبير عن غضب أو حنق تجاه شخص ما أو موقف معين .
هذه الحوادث وان كانت هى الأكثر حضورا فى الذاكرة الجمعية لكون معظمها أقرب زمنيا لوقتنا الراهن الا أن حادثة الحذاء الأشهر فى التاريخ (حديثه على الأقل ) تظل حادثة الأمم المتحدة فى العام 1960 م حين وقف الرئيس السوفيتى الاسبق نيكيتا خروتشوف ليلقى خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة وأخذ يضرب بحذائه على المنصة مبديا غضبا شديدا تجاه اعتراضات الأمريكان وحلفائهم على سياسات السوفييت ، الى ان انتهى الرجل من خطابه وغادر المنصة تاركا خلفه الحذاء الذى وكأنه ضرب به على رأس النظام العالمى ، وليثبت بذلك أيضا خطأ البعض حين ذهب الى أن لغة الحذاء حكر على العرب أو تراثهم معلنا أن هذه اللغة لغة عالمية يتعامل بها كل الشعوب ومن قبلهم القادة لإيصال رسالة قد تعجز الكلمات أو غيرها من الأفعال عن إيصالها .

السبت، 27 فبراير 2010

عملية البستان ... بين الفشل والنجاح ؟

لا يكاد يمر يوم دون أن تتكشف خيوط جديدة أويكشف النقاب عن شخصيات جديدة تضاف الى قائمة المتهمين باغتيال المبحوح والتى وصلت الى ستة وعشرين متهما من جنسيات مختلفة جلها اوروبية .
على الرغم من أن العملية تمت فى صمت وبسهولة تشيران الى وقوف جهاز استخبارات محترف خلفها ، إلا أن الضجيج الذى احدثته تحقيقات شرطة دبى وما كشفته من خيوط الجريمة تشير الى سذاجة تصل الى حد البلاهة فى طمس آثار الجناة.
صحيح أنه تم تصفية الهدف وصحيح أن المنفذين عادوا أدراجهم سالمين من حيث أتوا ، وهو ما يدلل على أن العملية لم تفشل كما يقول البعض مبالغا ، إلا أن الصحيح أيضا أنه لا يمكن الوقوف عند هاتين النقطتين فى تقييم العملية لكونها عملية استخباراتية وليس عملية شرطية لا تهتم سوى بتحقيق الهدف الموضوع وسلامة العناصر المنفذة .
إن نجاح أى عملية استخبارات يكمن - وكما يقول المحللون - فى اصطياد الهدف بنجاح وبخسائر فى نطاق المتوقع بدون كشف اى من العناصر المنفذة الذى بدوره سيؤدى الى كشف الجهة المسئولة عن العملية ؛ وهذا ما يجعلنا نذهب الى القول بنجاح عملية فندق البستان أمنيا وفشلها استخباريا .
وقعت الجريمة، بدأت التحقيقات وتوصل المحققون الى حقائق - بفضل التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فى العمل الشرطى فى دبى - ساعدتهم فى الربط بين أغلب خيوط الجريمة وكشف عدد من العناصر المتورطة فى التنفيذ ، الا أن هذا كله لا ينفى فشل الشرطة فى دورها الوقائى بمعنى منع الجناة من تنفيذ مخططهم وليس الاكتفاء بالكشف عن جوانب العملية ومنفذيها بعد وقوعها .
وقد أثارت شرطة دبى بكشفها عن هويات الجناة عاصفة لم تهدأ حتى الآن لكون الجناة دخلوا دبى بجوازات سفر دول اوروبية غير مزورة كانجلترا وفرنسا وايرلندا وغيرها ودول اخرى كنيوزيلندا وهو ما يمثل اهانة لهذه الدول واستخفافا بحكوماتها ، وعليه فإن هذه الدول بادرت بخطوات عملية – على تفاوت حدتها – قد تبدو فى ظاهرها احتجاجية للاستفهام من الصهاينة عن سبب الزج بمواطنيها فى عملية كهذه . وقد يكون هذا العمل مشكورا فى مرحلة معينة ،الا أنه ومن السذاجة القول بان هذه الخطوة قد تؤدى الى أى شىء يفيد فى سير التحقيقات أو يؤدى إلى تأثر العلاقات بين هذه الدول واسرائيل ولوعلى المستوى الدبلوماسى فقط .
وعملية بهذا الحجم وهذا السيناريو المفترض لا يمكن أن تتم بدون موافقة ولو مبطنة أو حتى مجرد علم بها قبل تنفيذها من قبل الدول المعنية ؛ ناهيك عن احتمال وجود تعاون بين اكثر من جهاز استخبارى فى التنفيذ ، وهو ما يتم فى أغلب عمليات الاستخبارات عابرة الحدود .... ولذا فإن من يعول على رد فعل اوروبى قد يساعد فى القضية أو قد يضر الدولة الصهيونية مخطىء تماما ،والأمل أن تبقى العملية بتفاصيلها حاضرة فى الإعلام وعلى المستوى الشعبى ليستمر الضغط على حكومات الدول المعنية مما يؤدى الى الكشف عن حقائق قد تساعد فى سير التحقيقات وللضغط على كيان العدو وحكومته الهشه وهو ما يعد مكسبا فى الصراع الطويل مع هذا العدو .
وختاما ؛ فإن عملية بهذا الحجم تدفعنا الى التساؤل عن طبيعة المهام التى كانت موكلة الى المبحوح وعن طبيعة عمله وموقعه قبل اغتياله كما تدفعنا الى التساؤل عن قابل العمليات والشخصيات المستهدفه مستقبلا فى لعبة الفعل ورد الفعل .

الاثنين، 22 فبراير 2010

والأيام دول ...

من عظيم لطفه عز وجل بعباده أن سن فى الدنيا التداول والتناوب ؛ فكما لا يستقر للأرض مقام فى دورانها حول الشمس ، فإن الرزق لا يفتأ يدور بين العباد الى أجل أجله سبحانه .
فمن ظن أنه ملك فى الدنيا ملكا.. فقد أفلس ، ومن حسب انه احتكر شيئا دون غيره ..فقد خدع ، ومن لم يقدر للموت قدره .. فقد ظلم نفسه ؛؛؛ وإنا وإياه كقول الشاعر حين قال
لكل شىء اذا ما تم نقصـــــان
فلا يغر بطيب العيش إنســـان
هى الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ، ساءته أزمان
Powered By Blogger

الساعة الآن

دفتر التشريفات