فى 29 يناير 2009 انسحب رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى من إحدى الجلسات الحوارية المنعقدة على هامش منتدى دافوس الاقتصادى مخلفا وراءه مادة إعلامية "جديدة " تناقلتها - ومازالت - وسائل الإعلام العالمية ؛ يومها وجه إردوغان خطابا شديد اللهجة للرئيس الصهيونى شيمون بيريز على خلفية ما قامت به قوات الاحتلال من مذابح وتدمير خلال حرب شتاء 2009 على غزة .
وفى التفاصيل ؛ لما رفض مدير الجلسة منح إردوغان فرصة الرد على كلمة شيمون بيريز قاطعه إردوغان بصوت مرتفع موجها كلامه ليشمون بيريز قائلا : " أنتم تقتلون الأطفال ." ولينسحب بعدها من القاعة . لم تكن هذه الحادثة خارجة عن سياق السياسة التركية تحت حكم العدالة والتنمية تجاه الكيان الصهيونى لكنها كانت الأقوى والأبرز - آنذاك - ، كما كانت فاتحة لسلسلة من المواقف التى تلتها والتى لم يشهد تاريخ الصراع مع الكيان المحتل مثيلا لها .
وفى الفاتح من يونيو 2010 ألقى إردوغان خطابا شديد اللهجة فى البرلمان التركى انتقد فيه اعتداء البحرية الصهيونية على أسطول الحرية المتجه إلى غزة والذى ارتقى على إثره تسعة شهداء كلهم أتراك ، يومها نفض تلابيب ثيابه قائلا " لقد سئمنا كذب إسرائيل " ؛ ولم تمنعه الدبلوماسية من توضيح الحقائق كما هى ليثبت للعالم أن ما فعله يوم دافوس لم يكن استثناء بل كان حلقة فى سلسلة لا يعلم أحد - حتى الآن – أين نهايتها .
وفى معرض التحليل ، يذهب البعض إلى أن هذه المواقف التركية تجاه القضية الفلسطينية - وسائر قضايا المنطقة - ما هى إلا وسيلة سياسية لتعظيم الدور التركى فى المنطقة ولكسب أرضية جديدة تحقق الدولة التركية عليها مزيدا من المكاسب الخاصة ، كما أن الأمر قد لا يخلو من تحقيق مجد شخصى لإردوغان وزمرته .
وعلى الجانب الآخر ، فثمة من يرى بأن هذا كله إنما يأتى فى سياق سياسة تركيا العدالة والتنمية الرامية الى إعادة تركيا الى موقعها التاريخى والاستراتيجى فى مقدمة الأمة والمنطقة و لخلق أرضية قوية فى المشرق تساعدها فى توجهها غربا تجاه الاتحاد الأوروبى .
وعلى كل ؛ فإن كلا المذهبين قد يبدوان صحيحين وإن بدا أحدهما - فى ظاهره - مناقضا للآخر ؛ فليس ثمة ما يمنع أن يكون أى مكسب تركى مكسبا لدول المنطقة فى آن معا وكذا ينسحب على الأمر على أية خسارة محتملة ، بل ثمة من يذهب الى أنه وعلى القدر الذى ستسفيد منه تركيا من وراء دول المنطقة ستفيد . وهنا تبرز قراءة مختلفة ترى بأن الدور التركى إنما هو دور مكمل غير متطفل أو انتهازى .
وقد يسمح زخم الأحداث التى تشهدها منطقتنا حاليا بتتعدد القراءات واختلاف فى الرؤى ، ولكن يبقى الفيصل فيما سيتحقق منها على أرض الواقع مرهونا بمدى تسارع الأحداث ومقدار تجاوب دول المنطقة مع الدور التركى الذى أثبتت مواقفه المتتالية أنه ينشد خلق تغيير جذري ليس فى شكل المنطقة وحسب بل وفى خريطة العالم ।
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق