الأحد، 5 ديسمبر 2010

انتخابات الشعب و أزمة الوطن

تعيش مصر وشعبها ومنذ ستة عقود أزمة حرية لم تعش مثلها لقرون خلت . فالوضع الذى نتج عن حركة ضباط الجيش المصرى صبيحة الثالث والعشرين من يوليو عام الف وتسعمائة واثنين وخمسين أسس لنظام حكم شمولى يتحكم من خلاله الفرد فى كل شىء باسم الديمقراطية وحفظ أمن وسلامة الوطن । وقد جاءت انتخابات مجلس الشعب 2010 لتعكس صورة واضحة تمام الوضوح لهذه الأزمة وهذا الوضع।

فالمشهد المصرى يوم الثامن والعشرين من نوفمبر ينم عن خطورة بالغة على مستقبل هذه البلاد التى تقترب من حافة الهاوية أكثر فأكثر بسبب ممارسات سلطة قمعية تتحكم فى مصير الشعب والوطن دون أية شراكة تذكر أو أية رقابة أو حسيب । وقد اشترك فى لعبة الانتخابات الأخيرة لاعبون كثر على الرغم من كون المتفرجين أكثر بكثير ؛ واللاعبون هم المرشحون والأحزاب أو القوى السياسية والناخبون والسلطة التنفيذية " الحكومة وحزبها " وقوى الأمن والخارجون على القانون " البلطجية " والقضاء ، ولا يعنى تشارك كل هؤلاء فى لعبة واحدة تقاسمها بينهم ، فقد استفرد "البلطجية " وقوى الأمن ومعهم السلطة التنفيذية "الحكومة وحزبها " باللعبة وأخرجوا منها كل اللاعبين الآخرين بالقوة وبقيت غالبية الشعب متفرجة فى صمت كعادتها .

وعلى الرغم من تطابق جميع العناصر هذه المرة مع نظيرتها فى انتخابات عام 2005 إلا أن تبادلا بسيطا فى الأدوار أدى إلى هذا الاختلاف الواضح فى مخرجات كل منهما حيث سمح تقسيم البلاد الى ثلاث مراحل فى 2005 بجعل قوى الأمن اللاعب الأول ومن وراءه " البلطجية " فى مناطق محدودة وهو مالم تسمح به انتخابات 2010 حيث يصعب توفير قوى أمنية لخنق جميع مدن وقرى مصر التى تشهد انتخابات عامة فى نفس اليوم ومن هنا برزت عبقرية النظام الذى أعطى الفرصة ولأول مرة - بهذا الحجم - للخارجين على القانون " البلطجية " بالتحكم فى سير الأمور ومصير البلاد من ألفها إلى يائها ।

إن مشهد تجول ظباط الأمن على اللجان الانتخابية فى معية – بل حماية – البلطجية والذى تكرر فى أنحاء مصر كافة يعد تأسيسا لمرحلة أكثر سوء ستعيشها البلاد فى السنوات القادمة ، مرحلة يعلو فيها صوت القوة الغاشمة والمفرطة فوق صوت القانون وصوت مئات الألوف من قوى الأمن و ليعلو صوتها فوق كل صوت ।

إن استفراد هاتين القوتين – المتشابهة فى تصرفاتها وعقيدتها - بالمشهد المصرى إنما جاء كنتيجة طبيعية لغياب اللاعب الأبرز و الأجدر فى أى بلد طبيعى ألا وهو الشعب ، الذى أثبت هذه المرة أن سلبيته فاقت كل حد وضاق بها الوصف وهو ما صبا إليه وعمل عليه – وقد نجح - النظام الحاكم منذ خمسينيات القرن البائد । إن تحرك أى جماعة بشرية للحفاظ على مصالحها أمر بديهى ؛ وعليه فإن تحرك الطبقة الطفيلية المستفيدة من وجود هذا النظام الحاكم قد يكون أمرا متفهما على الرغم من خطئه إذ أنها تسعى جاهدة للحفاظ على مصالحها التى اقترنت بوجود هذا الفساد وتنمو بنموه ، إلا أن المستغرب هنا هو ما أبرزته الاحداث الأخيرة من مساندة شرائح واسعة من المتضررين من هذا الحكم وفساده فى ترسيخ حكمه وسياساته ومناصرة أزلامه ، وهو تحرك يفوق السلبية خطرا ، و ينم أيضا عن جهل متأصل و غباء مستحكم يشبه الإنتحار ।

إن أى أمل فى استرداد عافية هذا البلد وحريته قد يبدو مستحيلا إذا لم يقترن بأمل بتحرك هذه القوة النائمة والمستكينة - منذ قرون - من أبناء هذا الوطن ؛ تحركا يعيد كلا إلى حجمه الطبيعى ويرد السلطة إلى من له السلطة دون غيره .

ليست هناك تعليقات:

Powered By Blogger

الساعة الآن

دفتر التشريفات