إن من سنن الله فى خلقه الاختلاف ، الاختلاف الذى أثرى الحضارة الإنسانية على مر العصور ، وجعل الأمم على تباينها وتباعدها تتبادل المعارف والمنافع فيما بينها من أجل خيرهم جميعا । ولقد روى التاريخ لنا عن أزمان تناطحت فيها وتلاقحت أمم وشعوب فيما بينها مما خلق شيئا من التوازن كفل البقاء للجميع . وإن مما ابتلى به هذا الزمان أن غاب هذا التوازن إذ فرضت الأمم الغربية سطوتها على العالم بأسره ولونته بلونها .
وفى عالم يتشبه فيه الضعيف بالقوى ويتحكم القوى بكل شىء تسود ثقافته دون غيره وتصبح مطلقة وغير قابلة للنقاش . إن المفاهيم التى أتت بها الحضارة الغربية بماديتها شوهت معالم الثقافة العربية والإسلامية فى بلادنا وأوجدت نوعا من الإزدواجية التى أضرت كثيرا بالموروث الثقافى والقيمى لهذه الشعوب . إن الحضارة الغربية التى أعلت من قيمة المادة وقامت على أساس وهدف واحد وهو متعة الفرد تتناقض كل التناقض مع ثقافتنا التى تعلى من قيمة العاطفة والسمو الروحى والمجتمع.
إن قيمة سامية كالحب تسطيع أكثر من غيرها أن تكشف لنا عن حجم هذا النتاقض الكبير بين الحضارتين الغربية والإسلامية ؛ فلو نظرنا إلى المفهوم الغربى عن الحب نجده يكاد يقتصر على علاقة شعورية بين رجل وامرأة ( بالنسبة للأسوياء منهم ) أجنبيين أساسها الإعجاب بالهيئة والشكل العام وقمتها العلاقة الجنسية بينهما دون رابط بزواج أو غيره . ولقد اجتهد الغربيون فى نشر هذا المفهوم عن الحب الذى أصبح يساوى بل يطابق بينه ( أى الحب ) وبين الجنس فصارت المعادلة ببساطة # حب = جنس ، وإن من أكثر ما روج لهذا المفهوم الفن بأشكاله وفروعه ومن أهمها فن السينما ، ففى الوقت الذى يشهد فيه المشرق تخلفا فى كل شىء ويستورد من الغرب – تقريبا – كل شىء صارت السينما وغيرها من الفنون تأتينا مع ما يستورد لنتلقاها كما هى ودون أية مراعاة لاختلاف بيننا وبينهم .
صار يروج للمفاهيم الغريبة فى بلادنا بكل وضوح حيث ارتبطت بالحداثة والتقدم وصار كل ما هو غربى مرغوب ومبهر ومستحسن لا لذاته بل لارتباطه بالغرب ، وعليه فإن هذا المفهوم الغربى عن الحب أصبح أكثر انتشارا لدينا ووجد من المقدسين للغرب والمبهورين به بيئة صالحة للنمو والتوغل بين سائر طبقات المجتمع ، فصار عاديا أن يناقش الحب بهذا المفهوم فى الأعمال الفنية وأن يقدم الحبيب على غيره زوجا كان أو أبا . كم من عمل فنى قدم لنا قصصا عن حب رجل وامرأة أجنبيين أحدهما أو كلاهما متزوج ، ولا غضاضة فى ذلك طالما أن رباط الحب هو ما يجمع بينهما ، بل الغضاضة – لديهم - فى أن تتزوج شخصا لم تعش معه قصة حب قبل أن يجمعكما أى رابط شرعى .
أصبحت مفاهيم كالحلال والحرام والجائز شرعا أوعرفا غير موجودة وغير مطروحة أمام كلمة الحب فكل شىء بالحب وفى الحب و للحب مجاز وأصبح كل من يقول بخطأ هذا المفهوم الغربى عن الحب وعدم جوازه متخلفا رجعيا جامدا غير ذى عاطفة أو إحساس .
والحب لدينا عاطفة نبيلة سامية تنبع من الإنسان تجاه كل شىء وأى شىء فى الكون وأسمى شكل من أشكال الحب هو حب الإنسان لخالقه خالق الكون . إن هذا المفهوم يعنى أن توجه عاطفتك لغيرك – أيا كان – منزهة عن أى منفعة أيا كان شكلها . فالحب حب الرب وحب الوالدين وحب الأخوة وحب الزوجة وحب الولد وحب الآخرين من تعرف ومن لا تعرف حب يجمع بين حرفيه مودة وعاطفة للانسانية جمعاء . إن هذا المفهوم لا يعنى بحال أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست حبا أومحرمة فى الإسلام ، بل على العكس إن الإسلام أعلى من هذه الرابطة وجعلها من أسمى العلاقات . إن علاقة الرجل بالمرأة والتى تشمل العلاقة الجنسية ليست مباحة على إطلاقها ولكنها أيضا مطلوبة ، بل مستحبة فى إطار ضوابط شرعية حددها لنا الدين الحنيف وأكدتها الأعراف والتقاليد وهى ضوابط الزواج .وبهذا المفهوم تصبح معادلة الحب = الجنس معادلة خاطئة تماما تبخس هذه القيمة حقها وتعلى من قيمة الجسد وشهوانيته على حساب قيمة الروح .
إن الحب الخالى من المسئولية ليس حبا والارتباط الذى ينادى به البعض بشرط أن يكون مترتبا على قصة حب لهو ارتباط خاطىء ، وهم فى ذلك كمن يضع العربة أمام الحصان ، فالصحيح من التجربة أن الحب يولد بعد الارتباط لفترة تكفل للطرفين دراسة أحدهما الآخر ومعرفة طبائعه ولذا شرعت الخطبة قبل الزواج .