الثلاثاء، 15 مارس 2011

انتفاضة الشعب 2

ستون عاما ؛ ستون عاما أو يناهز وشعب مصر يتجرع مرارة حكم الفرد المطلق ، الزعيم ، الملهم ، العالم بكل شىء ، والمالك لكل شىء فى البلاد ، القابض على نفوس العباد ... ولكن هذا الشعب اكتفى من هذا كله وأعلن فى صبيحة يوم من أيام ينايرهو الخامس والعشرون فى السنة الحادية عشرة بعد الألف الثانية للميلاد أن حلما طال انتظاره قد آن تحقيقه ...

مستعينا بالله ومستلهما ثورة شعب تونس على طاغيتها قرر شباب من مصر دعوة جموع المصريين إلى التظاهر يوم الخامس والعشرين من يناير ضد استبداد السلطة وفساد ذوى القربى وتردى أحوال العباد ؛ وفى بلد تمسك سلطتها بزمام الإعلام مرئيه ومسموعه ومقروئه كان الواقع الافتراضى هو المكان الوحيد المتاح للدعوة فبدأت دعوات التظاهر تنتشر على الفيس بوك موقع التواصل الاجتماعى وتويتر وغيرهما ، ولما كان هذا الواقع افتراضيا ومقصورا على فئة دون غيرها لم يتوقع أن يشهد يوم التظاهر حشدا كبيرا ومتنوعا ولكن الجميع توقع أن يشهد اليوم مظاهرة أو بضع مظاهرات متفرقات كتلك التى تعود الجميع على رؤيتها فى السنوات الست الأخيرة ؛ قلة فى العدد وتكرار فى الشعارات وانفضاض بعيد العصر ॥

ولما كانت ساعة الصفر تقاطر الآلاف من أبناء مصر إلى الشوارع فى القاهرة وغير القاهرة ، فكان الحشد كبيرا وأخذ يجوب الشوارع فى غير اعتراض من جحافل الأمن المركزى ليستمر الوضع على هذا الحال حتى انتصاف نهار القاهرة حين أحس رجال أمن الرئيس أن لابد من التدخل وإنهاء هذه "المهزلة" ، بدأت قوى الأمن فى التعامل مع المتظاهرين واشتبكت معهم لتبدأ عمليات الكر والفر فى الشوارع الضيقة والأزقة، واستمر هذا المشهد طوال الليل فى ميدان التحرير الذى قرر المتظاهرون المبيت فيه والاعتصام حتى تتحقق مطالبهم ؛ ونتج عن استخدام العنف المفرط إصابات بليغة وحالات احتناق وحالات قتل فى أماكن أخرى كالسويس وحينها عرف الجميع أن هذه لم تكن إلا البداية ، بداية شىء قد يطول وقد يكون تكرارا لما حدث فى تونس منذ أيام ....ـ

استمرت المظاهرات يومى الأربع والخميس التاليين بتوافق على أن يتم الحشد لمظاهرات أكبر فى الجمعة التالية " جمعة الغضب " التى سطرت بأحداثها أمجد أيام مصر فى عصرها الحديث ؛ نزل مئات الآلاف من المصريين وتصدوا لقمع وإرهاب قوات الأمن فارتقى الشهداء ووقع الجرحى وبرزت بطولات ، ولم يكد عصر هذا اليوم يحل حتى حدث ما لم يتوقعه أحد فاختفى من شوارع مصر كلها كل ما يمت لوزارة الداخلية بصلة ولم يعد يرى أثر لضابط أو عسكرى فى رابط غريب مع نزول قوات من الجيش المصرى لتأمين بعض المنشآت الحساسة والهامة فى البلاد والذى تطور لاحقا ليصبح انتشارا فى كامل أنحاء القطر المصرى ।


وفى التحرير نصبت الخيام وبدأ الاعتصام الذى جمع ولأول مرة كافة أطياف الشعب المصرى من أجل غاية واحدة وهدف واضح هو إسقاط نظام حسنى مبارك ؛ ويوما بعد يوم كانت المظاهرات والاحتجاجات تزداد قوة فى كل مصر وتزداد أعداد المعتصمين بالتحرير ومعها أيضا تزداد الحرب الإعلامية والأمنية والنفسية ضد ثوار مصر فكما العادة مارس الإعلام الرسمى والخاص دوره القذر فى مساندة السلطة والترويج لأكاذيبها التى لم تنجح فى النهاية فى ثنى هذا الشعب عن تحقيق مراده । وعلى الرغم من إطلالة مبارك على الشاشات ثلاث مرات محاولا وأد ثورة قامت عليه إلا أنه أثر بشكل ما فى بعض المصريين البسطاء وأطال من ساعات بقائه فى السلطة ليس أكثر ، حيث لم يسفر خطابه الأول الذى أقال فيه حكومة نظيف عن مكاسب لفريقه فصمت أياما ثم عاد بخطاب ممجوج مبتذل داعب فيه عواطف البسطاء من المصريين متحدثا عن تضحياته وحبه لمصر ورغبته فى الموت على أرضها التى قدم من أجلها الغالى والنفيس – أو هكذا يتصور - ، ونجح هذا الخطاب فى غربلة المعتصمين وفى إضافة نقاط لصالح مبارك ولكن الله سلط على فريقه عقولهم فلم يكد التعاطف مع الرجل يظهر حتى غزت النياق والخيول ميدان التحرير فى مشهد أعاد للجميع صورة من صور حرب أحمس على الهكسوس ورسم صورة شديدة الوضوح للفكر الذى حكم مصر طوال ثلاثة عقود خلت مما أفقد مبارك وحزبه أى تعاطف حازه بالأمس ।


استمر التصعيد من قبل الثوار واستمر التنازل من قبل السلطة فلم تفلح دعوات الحوار ولم يجد تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس أو أحمد شفيق رئيسا للوزراء ، فقرر مبارك أن يطل علينا مرة أخرى توقعها الجميع إطلالة التنحى ، إلا أن الرجل آثر أن يستمر فى عناده وتكبره فخرج متوعدا الفاسدين ومنددا بالفساد ومتعهدا " باستمرار الإصلاحات "، وعندها سادت حالة من الإحباط بين المصريين وشعروا بأن النفق المظلم سيطول ، ولكن وعد الله الحق وقع فلم تكد تغرب شمس الحادى عشر من فبراير حتى أطل علينا نائب الرئيس مقتضبا خطابا يعلن فيه " تخلى " الرئيس عن سلطاته لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان فى حالة انعقاد دائم بغير رئاسة مبارك فوضحت الصورة بنجاح الثورة وبدء التغيير الحق والعمل الجاد ।


ولإن اتفق الجميع على أن لتونس على مصر فضل السبق وفضل شعار" الشعب يريد إسقاط النظام "، فإن الجميع متفق كذلك على أن ثورة تونس وإن ألهمت المصريين فى ثورتهم فإن الثورة المصرية ألهمت الشعوب العربية فى ثوراتها المتلاحقة وألهمت العالم أجمع الذى لم يشهد فى تاريخه ثورة سلمية راقية كما هى ثورة شعب مصر ...ـ




Powered By Blogger

الساعة الآن

دفتر التشريفات