بصوت مرتجف وثقة غائبة وتأزم وتخبط واضحين ، أطل على الناس زين العابدين بن على رئيس الجمهورية التونسية – آنذاك – ليلقى خطابه الثالث فى الأزمة التى تشهدها البلاد منذ السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2010 ؛ تلك الأزمة التى بدأت على إثر احراق الشاب التونسى محمد البوعزيزى نفسه بعد أن تطاولت عليه شرطية باللطم على الوجه والبصق بعدما أطاحت بما تحمله عربته الخشبية من خضروات يقتات منها هو وأفراد أسرته الثمانية .
كان الذعر واضحا فى عينى السيد الرئيس وفى كلماته ، كلماته التى كان جلها عاميا ، ركيكا ومصطنعا فى محاولة يائسة من فخامته للتقرب من شعبه الغاضب النازل فى شوارع الخضراء من أقصاها الى أقصاها . كان جليا من خطاب السيد الرئيس أن أيامه فى الحكم أقل من قليلة لكن أحدا لم يتوقع أن تكون أيامه بضع ساعات قلائل يفر بعدها هاربا خارج البلاد مستجديا ملجأ له زوجه .
بدأت الحركة الشعبية أول ما بدأت تضامنية مع البوعزيزى ومالبثت أن اصطبغت بصبغة اجتماعية احتجاجا على سوء الوضع الاقتصادى والبطالة والفساد ، الفساد الذى استشرى ودب فى كل مفاصل الدولة كابن شرعى للمحسوبية وسطوة ذوى القربى ، الفساد الذى خط للحركة الشعبية خطها الصحيح والأساس ، خط سياسى اجتمعت حوله كافة فئات الشعب وأطيافه وهو ما ظهر فى اتساع رقعة الاحتجاجات وانتقالها من المحافظات الجنوبية والداخلية المعروفة باسم الجهات " الفقيرة والمهمشة اقتصاديا " الى المحافظات الشمالية الساحلية ومنها العاصمة تونس المعروفة بارتفاع المستوى الاجتماعى ومستوى الدخل .
اتسعت الاحتجاجات الشعبية السلمية وزاد تصميم المحتجين وارتفع معه سقف المطالب ليطالب برأس السلطة صراحة بدون مواربة ومعها ازداد تمسك السيد الرئيس بالسلطة وأطل على الشعب فى خطابه المتلفز الأول بعد الأزمة ، أطل واثقا متحدثا عن اهتمام بما يحدث وايلاء عطف وبعض تفهم لمطالب العاطلين والمحتجين " اجتماعيا " وأرفق خطابه بعزل بعض المسئولين المحليين فى ولاية سيدى بوزيد منبع الأزمة وعزل بعض الولاة والوزراء غير ذوى الشأن بالأحداث . انتهى الخطاب ولم ينته الاحتجاج كما صور للسيد الرئيس عقله وحاشيته بل إن تزايد وتيرة الاحتجاجات واتساع نطاقها أجبر السيد الرئيس على الخروج مرة ثانية فى خطاب متلفز أيضا لم يحمل كثير اختلاف عن سابقه اللهم إلا إعلانه عن عزل وزير الداخلية الذى حمل وحده دم الشهداء الذين ارتقوا برصاص القناصة الحى ، عزل الوزير وجىء بآخر وتحدث السيد الرئيس فى سفور مقيت عن عصابات ملثمة مأجورة تقود الاحتجاجات وعن دعم خارجى متطرف يمينا ويسارا وهو ما زاد كره الشعب له كرها ، فحتى من احتج سلميا وقتل برصاص قناصة النظام لم يجد عن سيادته إلا أقذع الأوصاف ليوصف به بدلا من أن يثأر لدمه الذى أهريق فى سبيل حرية وكرامة طالما وعد بها سيادته ولم يجد منها شيئا .
وكانت الغضبة التى أشعرت سيادته بأن الأوضاع لن تسير على هواه فأطل ثالثة فى خطابه الأخير الذى بدا محاولة يائسة بائسة لكل ذى عينين ومتابع . لم تمر سوى ساعات بعد أن أعلن السيد الرئيس للتونسيين ولأول مرة منذ 23 سنة بأنها فهمهم وعليه سيتصرف فى قابل الأيام والسنين وسيحاسب المسئولين من حوله الذين ما طفقوا يزودونه بمعلومات خاطئة عن الأوضاع على الأرض – أو هكذا ارتأى المخرج - ، لم تمر سوى ساعات حتى أصبحت البلاد فى وضع لم يكن من قبل ؛ أعلن سيادته – فى آخر قراره – حل الحكومة والدعوة الى انتخابات مبكرة فى ظرف ستة أشهر ، وكأن هذا سيحفظ له عرشه .
فر الرئيس هاربا وقرينته وتخطفته مطارات دول ودول ، دول كانت يوما أقرب الحلفاء ترفض استقباله كما فعلت أمريكا مع شاه إيران المقبور ، رفضت فرنسا استقبال بن على وقيل رفضت ايطاليا ولكنه لم يعدم ديكتاتورية فى المشرق العربى تأويه فحطت طائرته فى جدة كما حطت رحال الشاه الأخير فى القاهرة .
وفى الأزمة قيل ؛ كما جاء الرجل رحل ، ونقول ليس المجىء كالرحيل ، فهو وإن جاء على جسد بورقيبة المهترىء فإنه رحل تحت نعال من ارتقوا شهداء حريتهم ، شهداء كلمة حق عند سلطان جائر ، وأى سلطان جائر كان بن على ، فيجمع المتابعون والمحللون على أن الدولة التونسية كانت دولة بوليسية بامتياز بل إن البعض يرى بأنها الدولة البوليسية الأولى فى العالم العربى متقدمة على شقيقتها الكبرى مصر .
وفى الأزمة أيضا مايبشر بالطبع وإن كان القلق مازال حاضرا وحق له أن يظل حاضرا حتى حين ؛ أما ما يبشر فهو وعى الشعب التونسى الذى بدا جليا فى الأزمة ، وعيه بوضعه ، وعيه بوسيلة تغييره ، ووعيه بغايته . وما بدا أكثر جلاء تصميم هذا الشعب العتى الذى لم يثنه الرصاص الحى ولا القناصة ولا الوتيرة المتزايدة فى ارتقاء الشهداء ، لم يثنه كل هذا عن مواصلة حركته الاحتجاجية أو يوجد فيها بعض نكوص . وعى وتصميم كفلا للشعب قيادة هذه الحركة حتى اليوم دون أن يسمح لأى حزب أو تنظيم بتوجيهه حتى بعد أن نزلت أحزاب المعارضة " الرسمية " على مطالب الرئيس التى نقلها فى خطابه الأخير .
وأما ما يستجلب القلق فهو غياب أجهزة الأمن بشكل يسمح للمخربين والمتآمرين بالتصرف بحرية مطلقة تطرح أسئلة عديدة عن وجود الجيش ودوره فى قابل الأيام ، والقلق موصول بخوف من أن يركب بعض وجوه النظام البائد او أشباههم – كما يحدث الآن بعد اعلان الغنوشى وزير بن على الأول استلام صلاحيات الرئيس الفار مؤقتا ومن بعده رئيس مجلس النواب - الموجة ليحققوا مكاسبا خاصة ويعيدوا صياغة تجربة 1987 بشكل جديد يناسب انتفاضة 2011فيصبح وكان شيئا لم يكن .
وفى الختام نداء وعظة ، نداء للشعب التونسى وساسته الحقيقيين بأن اثبتوا حتى النهاية - وقد قربت - وما فات أعظم ، والنداء موصول للشعوب العربية المقهورة ، فإن التجربة التونسية الأخيرة أثبث بأن الشعوب اذا أرادت قدرت وفعلت فعل المستحيل بوعيها وتصميم أحرارها . وعظة لطغاة العرب و حكامهم ، فلو دامت لابن على لجاز أن تدوم لكم ، ولكنها لم تكن له ولن تكون لكم بإذن عزيز قهار ، " وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون " .
كان الذعر واضحا فى عينى السيد الرئيس وفى كلماته ، كلماته التى كان جلها عاميا ، ركيكا ومصطنعا فى محاولة يائسة من فخامته للتقرب من شعبه الغاضب النازل فى شوارع الخضراء من أقصاها الى أقصاها . كان جليا من خطاب السيد الرئيس أن أيامه فى الحكم أقل من قليلة لكن أحدا لم يتوقع أن تكون أيامه بضع ساعات قلائل يفر بعدها هاربا خارج البلاد مستجديا ملجأ له زوجه .
بدأت الحركة الشعبية أول ما بدأت تضامنية مع البوعزيزى ومالبثت أن اصطبغت بصبغة اجتماعية احتجاجا على سوء الوضع الاقتصادى والبطالة والفساد ، الفساد الذى استشرى ودب فى كل مفاصل الدولة كابن شرعى للمحسوبية وسطوة ذوى القربى ، الفساد الذى خط للحركة الشعبية خطها الصحيح والأساس ، خط سياسى اجتمعت حوله كافة فئات الشعب وأطيافه وهو ما ظهر فى اتساع رقعة الاحتجاجات وانتقالها من المحافظات الجنوبية والداخلية المعروفة باسم الجهات " الفقيرة والمهمشة اقتصاديا " الى المحافظات الشمالية الساحلية ومنها العاصمة تونس المعروفة بارتفاع المستوى الاجتماعى ومستوى الدخل .
اتسعت الاحتجاجات الشعبية السلمية وزاد تصميم المحتجين وارتفع معه سقف المطالب ليطالب برأس السلطة صراحة بدون مواربة ومعها ازداد تمسك السيد الرئيس بالسلطة وأطل على الشعب فى خطابه المتلفز الأول بعد الأزمة ، أطل واثقا متحدثا عن اهتمام بما يحدث وايلاء عطف وبعض تفهم لمطالب العاطلين والمحتجين " اجتماعيا " وأرفق خطابه بعزل بعض المسئولين المحليين فى ولاية سيدى بوزيد منبع الأزمة وعزل بعض الولاة والوزراء غير ذوى الشأن بالأحداث . انتهى الخطاب ولم ينته الاحتجاج كما صور للسيد الرئيس عقله وحاشيته بل إن تزايد وتيرة الاحتجاجات واتساع نطاقها أجبر السيد الرئيس على الخروج مرة ثانية فى خطاب متلفز أيضا لم يحمل كثير اختلاف عن سابقه اللهم إلا إعلانه عن عزل وزير الداخلية الذى حمل وحده دم الشهداء الذين ارتقوا برصاص القناصة الحى ، عزل الوزير وجىء بآخر وتحدث السيد الرئيس فى سفور مقيت عن عصابات ملثمة مأجورة تقود الاحتجاجات وعن دعم خارجى متطرف يمينا ويسارا وهو ما زاد كره الشعب له كرها ، فحتى من احتج سلميا وقتل برصاص قناصة النظام لم يجد عن سيادته إلا أقذع الأوصاف ليوصف به بدلا من أن يثأر لدمه الذى أهريق فى سبيل حرية وكرامة طالما وعد بها سيادته ولم يجد منها شيئا .
وكانت الغضبة التى أشعرت سيادته بأن الأوضاع لن تسير على هواه فأطل ثالثة فى خطابه الأخير الذى بدا محاولة يائسة بائسة لكل ذى عينين ومتابع . لم تمر سوى ساعات بعد أن أعلن السيد الرئيس للتونسيين ولأول مرة منذ 23 سنة بأنها فهمهم وعليه سيتصرف فى قابل الأيام والسنين وسيحاسب المسئولين من حوله الذين ما طفقوا يزودونه بمعلومات خاطئة عن الأوضاع على الأرض – أو هكذا ارتأى المخرج - ، لم تمر سوى ساعات حتى أصبحت البلاد فى وضع لم يكن من قبل ؛ أعلن سيادته – فى آخر قراره – حل الحكومة والدعوة الى انتخابات مبكرة فى ظرف ستة أشهر ، وكأن هذا سيحفظ له عرشه .
فر الرئيس هاربا وقرينته وتخطفته مطارات دول ودول ، دول كانت يوما أقرب الحلفاء ترفض استقباله كما فعلت أمريكا مع شاه إيران المقبور ، رفضت فرنسا استقبال بن على وقيل رفضت ايطاليا ولكنه لم يعدم ديكتاتورية فى المشرق العربى تأويه فحطت طائرته فى جدة كما حطت رحال الشاه الأخير فى القاهرة .
وفى الأزمة قيل ؛ كما جاء الرجل رحل ، ونقول ليس المجىء كالرحيل ، فهو وإن جاء على جسد بورقيبة المهترىء فإنه رحل تحت نعال من ارتقوا شهداء حريتهم ، شهداء كلمة حق عند سلطان جائر ، وأى سلطان جائر كان بن على ، فيجمع المتابعون والمحللون على أن الدولة التونسية كانت دولة بوليسية بامتياز بل إن البعض يرى بأنها الدولة البوليسية الأولى فى العالم العربى متقدمة على شقيقتها الكبرى مصر .
وفى الأزمة أيضا مايبشر بالطبع وإن كان القلق مازال حاضرا وحق له أن يظل حاضرا حتى حين ؛ أما ما يبشر فهو وعى الشعب التونسى الذى بدا جليا فى الأزمة ، وعيه بوضعه ، وعيه بوسيلة تغييره ، ووعيه بغايته . وما بدا أكثر جلاء تصميم هذا الشعب العتى الذى لم يثنه الرصاص الحى ولا القناصة ولا الوتيرة المتزايدة فى ارتقاء الشهداء ، لم يثنه كل هذا عن مواصلة حركته الاحتجاجية أو يوجد فيها بعض نكوص . وعى وتصميم كفلا للشعب قيادة هذه الحركة حتى اليوم دون أن يسمح لأى حزب أو تنظيم بتوجيهه حتى بعد أن نزلت أحزاب المعارضة " الرسمية " على مطالب الرئيس التى نقلها فى خطابه الأخير .
وأما ما يستجلب القلق فهو غياب أجهزة الأمن بشكل يسمح للمخربين والمتآمرين بالتصرف بحرية مطلقة تطرح أسئلة عديدة عن وجود الجيش ودوره فى قابل الأيام ، والقلق موصول بخوف من أن يركب بعض وجوه النظام البائد او أشباههم – كما يحدث الآن بعد اعلان الغنوشى وزير بن على الأول استلام صلاحيات الرئيس الفار مؤقتا ومن بعده رئيس مجلس النواب - الموجة ليحققوا مكاسبا خاصة ويعيدوا صياغة تجربة 1987 بشكل جديد يناسب انتفاضة 2011فيصبح وكان شيئا لم يكن .
وفى الختام نداء وعظة ، نداء للشعب التونسى وساسته الحقيقيين بأن اثبتوا حتى النهاية - وقد قربت - وما فات أعظم ، والنداء موصول للشعوب العربية المقهورة ، فإن التجربة التونسية الأخيرة أثبث بأن الشعوب اذا أرادت قدرت وفعلت فعل المستحيل بوعيها وتصميم أحرارها . وعظة لطغاة العرب و حكامهم ، فلو دامت لابن على لجاز أن تدوم لكم ، ولكنها لم تكن له ولن تكون لكم بإذن عزيز قهار ، " وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون " .