الخميس، 10 يونيو 2010

تركيا .. عودة الروح !.


فى 29 يناير 2009 انسحب رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى من إحدى الجلسات الحوارية المنعقدة على هامش منتدى دافوس الاقتصادى مخلفا وراءه مادة إعلامية "جديدة " تناقلتها - ومازالت - وسائل الإعلام العالمية ؛ يومها وجه إردوغان خطابا شديد اللهجة للرئيس الصهيونى شيمون بيريز على خلفية ما قامت به قوات الاحتلال من مذابح وتدمير خلال حرب شتاء 2009 على غزة .
وفى التفاصيل ؛ لما رفض مدير الجلسة منح إردوغان فرصة الرد على كلمة شيمون بيريز قاطعه إردوغان بصوت مرتفع موجها كلامه ليشمون بيريز قائلا : " أنتم تقتلون الأطفال ." ولينسحب بعدها من القاعة . لم تكن هذه الحادثة خارجة عن سياق السياسة التركية تحت حكم العدالة والتنمية تجاه الكيان الصهيونى لكنها كانت الأقوى والأبرز - آنذاك - ، كما كانت فاتحة لسلسلة من المواقف التى تلتها والتى لم يشهد تاريخ الصراع مع الكيان المحتل مثيلا لها .

وفى الفاتح من يونيو 2010 ألقى إردوغان خطابا شديد اللهجة فى البرلمان التركى انتقد فيه اعتداء البحرية الصهيونية على أسطول الحرية المتجه إلى غزة والذى ارتقى على إثره تسعة شهداء كلهم أتراك ، يومها نفض تلابيب ثيابه قائلا " لقد سئمنا كذب إسرائيل " ؛ ولم تمنعه الدبلوماسية من توضيح الحقائق كما هى ليثبت للعالم أن ما فعله يوم دافوس لم يكن استثناء بل كان حلقة فى سلسلة لا يعلم أحد - حتى الآن – أين نهايتها .

وفى معرض التحليل ، يذهب البعض إلى أن هذه المواقف التركية تجاه القضية الفلسطينية - وسائر قضايا المنطقة - ما هى إلا وسيلة سياسية لتعظيم الدور التركى فى المنطقة ولكسب أرضية جديدة تحقق الدولة التركية عليها مزيدا من المكاسب الخاصة ، كما أن الأمر قد لا يخلو من تحقيق مجد شخصى لإردوغان وزمرته .
وعلى الجانب الآخر ، فثمة من يرى بأن هذا كله إنما يأتى فى سياق سياسة تركيا العدالة والتنمية الرامية الى إعادة تركيا الى موقعها التاريخى والاستراتيجى فى مقدمة الأمة والمنطقة و لخلق أرضية قوية فى المشرق تساعدها فى توجهها غربا تجاه الاتحاد الأوروبى .
وعلى كل ؛ فإن كلا المذهبين قد يبدوان صحيحين وإن بدا أحدهما - فى ظاهره - مناقضا للآخر ؛ فليس ثمة ما يمنع أن يكون أى مكسب تركى مكسبا لدول المنطقة فى آن معا وكذا ينسحب على الأمر على أية خسارة محتملة ، بل ثمة من يذهب الى أنه وعلى القدر الذى ستسفيد منه تركيا من وراء دول المنطقة ستفيد . وهنا تبرز قراءة مختلفة ترى بأن الدور التركى إنما هو دور مكمل غير متطفل أو انتهازى .

وقد يسمح زخم الأحداث التى تشهدها منطقتنا حاليا بتتعدد القراءات واختلاف فى الرؤى ، ولكن يبقى الفيصل فيما سيتحقق منها على أرض الواقع مرهونا بمدى تسارع الأحداث ومقدار تجاوب دول المنطقة مع الدور التركى الذى أثبتت مواقفه المتتالية أنه ينشد خلق تغيير جذري ليس فى شكل المنطقة وحسب بل وفى خريطة العالم ।

السبت، 5 يونيو 2010

حين أسقط فى أيديهم ....!!

تخبط وفشل ... أبلغ ما يصف الحال التى يعيشها الكيان الصهيونى ودبلوماسيته هذه الأيام । فبعد أن هدد المسئولون الصهاينة وتوعدوا كل من قدم من المتضامنين على متن سفن أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على غزة ؛ بعد أن هددوا وتوعدوا عاد جميع المتضامنين الى بلادهم ولم يبق أى منهم قيد الاحتجاز بمن فيهم وفد الداخل الفلسطينى .

ظهر التخبط جليا فى محاولات الكيان الغاصب لملمة شتات أمره وانهاء هذه الأزمة فى أسرع وقت عساه يتدارك بعضا مما وقع فيه من خطأ سواء على المستوى العسكرى حيث فشلت قوات النخبة " الإسرائيلية " فى التعامل مع نشطاء عزل أو على المستوى الدبلوماسى حيث فشلت الخارجية " الإسرائيلية " فى كسب تأييد أية حكومة فى العالم لما قامت به ।

عوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان قد صرح غير مرة وعلى أكثر من شاشة فضائية أن المتضامنين على متن سفن الأسطول وبعد أن يقتادوا إلى ميناء أسدود – إن واصلوا المسير الى غزة ولم يعودوا أدراجهم - سيكونون امام خيارين لا ثالث لهما ؛ الأول : هو التوقيع على إقرار باقتحام المياه الإقليمية الإسرائيلية والتعهد بعدم الرجوع إلى هذا الفعل مرة أخرى , وبعدها سيرحل هؤلاء إلى بلادهم , أما الخيار الآخر والأخير فهو الاحتجاز فى السجون "الإسرائيلية " بانتظار المحاكمة بتهم التعدى على السيادة " الإسرائيلية" ومساعدة المنظمات " الإرهابية "فى غزة لمن يرفض التوقيع على التعهد سالف الذكر ।

ولم يقتصر استخدام هذه اللهجه الحادة والتصريحات القوية على الأيام الأولى لانطلاق الأسطول وحسب, بل استمر طوال الساعات الأولى من احتجاز المتضامنين , وعزز هذه اللهجة ما قامت به الحكومة الصهيونية من اقتياد ستة عشر متضامنا الى سجن بئر السبع والتصريح بأن عددا من المتضامنين لن يفرج عنهم وسيبقون قيد الاحتجاز من أبرزهم الدكتور هانى سليمان رئيس الوفد اللبنانى فى الأسطول .
وعلى إثر هذا تعالت نداءات المنظمات الدولية والدول الأوروبية بانهاء الأزمة والافراج عن الرهائن , ناهيك عن سيل الإدانات الذى لم يتوقعه المسئولون الصهاينة والذى لم يتوقف حتى بعد أن ظهر الموقف الأمريكى ضعيفا و" متفهما " لما قامت به القوات الصهيونية ، كما قامت دول عديدة باتخاذ خطوات أخرى من قبيل استدعاء سفراء الكيان وإبلاغهم الإحتجاج على ما قامت به قوات البحرية الصهيونية ؛ إلا أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد فقد بلغ الاحتجاج مبلغا متقدما حين أعلنت الإكوادور سحب سفيرها فى تل أبيب وكذا فعلت جنوب أفريقيا , وبلغ الإحتجاج ذروته حين أعلنت نيكاراجوا تعليق العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى ।

حقيق أن ردود الفعل هذه قد ساهمت بشكل كبير فى إرباك المسئولين الصهاينة وفى فشل الكيان فى التعامل مع الأزمة التى أوجدها , إلا أن رد الفعل التركى كان له الأثر الأكبر فى هذه الأزمة , حيث جاء الرد قويا ومتدرجا بغير تهور أو استباق للأحداث وهو ما حدا الإدارة الأمريكية إلى التواصل مع الحكومة التركية على كافة المستويات للحد من ردات الفعل المتصاعدة بفعل الضغط الشعبى الهائل والمتوحد والمساند لحكومته بل والمطالب بردود توازى الفعل الذى اقترفته الدولة الصهيونية بحق مواطنين أتراك ونشطاء سلام عزل ।

فى هذه الأثناء تصاعدت لهجة الخطاب التركى وتوالت التصريحات على لسان أردوغان وداوود أوغلو مهددة باتخاذ خطوات قد تغير معطيات الصراع فى المنطقة بما يحفظ حقوق المواطنين الأتراك وغيرهم من المتضامنين الدوليين ناهيك عن مساندة الشعب الفلسطسنى وكسر الحصار المفروض على غزة ؛ بل بلغ الأمر بوزير الخارجية التركى أن أمهل السلطات الصهيونية مدة 24 ساعة للافراج عن المتضامنين جميعا بمن فيهم الأتراك وإلا فإن الحكومة الصهيونية ستتحمل وحدها رد الفعل التركى رافضا بذلك أن يحاكم أي من مواطنيه أو يظل قيد الاحتجاز ، وهو ما استجابت له الحكومة الصهيونية – على غير ما صرحت به بادىء الأمر - حيث أفرجت عن جميع المتضامنين واكتملت عودتهم جميعا الى بلدانهم بحلول مساء الأربعاء 2 يونيو أى بعد ما يقل عن 48 ساعة فقط من احتجازهم ।

ليس من المبالغة فى شىء حين أذهب إلى أن أحدا ما مهما بلغ به التفاؤل لم يكن ليتصور أن تسير الأمور على هذا النحو أو أن يحقق المتضامنون هذه المكاسب ، حيث تكفل حمق الصهاينة ورعونتهم بإعادة رسم خريطة الصراع وإشراك عناصر جديدة فى الجانب الآخر المعادى " لإسرائيل" التى صار اسمها مرتبطا بالاستخدام المفرط للقوة فى مواجهة الأبرياء والعزل المسالمين وبالقرصنة فى المياه الدولية ؛ كما أنه ليس من المبالغة أيضا ما ذهب اليه الرئيس التركى عبدالله غول حين قال " أن الأمور لن تعود إلى سابق عهدها مهما حدث " .
Powered By Blogger

الساعة الآن

دفتر التشريفات